الفصل بين السلطات في الدستور السوري (العيوب والثغرات ورؤية الإصلاح)

المحاميان أحمد صوان وعبدالهادي مصطفى
أهمية البحث
منذ كتب الفقيه مونتيسكيو كتابه «روح القوانين» سنة 1748، سطّر علماء السياسة وفقهاء القانون ملايين الصفحات تحت عنوان الفصل بين السلطات، فما هي أهمية هذا المبدأ على صعيد السياسة وفي الفقه القانوني؟ لا يمكن أن يبنى دستور في العالم دون أن يتضمن مبدأ الفصل بين السلطات، بشكل ما فهذا المبدأ يقضي على ظواهر الفساد والاستبداد ويدفنها للأبد. يكرس الاستقلالية السياسية لكل ركن من أركان الدولة، ويمنع تركز السلطة في هيئة واحدة. لما كان موضوع الدستور في سوريا اليوم هو الشغل الشاغل للسوريين فإن تناول هذا البحث يحظى بالأهمية البالغة لأن معالجة موضوع فصل السلطات هو معيار التقييم لتمييز صالح الدساتير من فاسدها.
إشكالية البحث
تتمثل إشكالية البحث في السؤالين التاليين
- يعتبر مبدأ فصل السلطات، في كل دساتير العالم هو الضمانة لمنع الاستبداد وتحقيق المشروعية، هل حقق الدستور السوري هذا المبدأ؟
- ما هي مظاهر سيطرة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية؟
المنهج المتبع
الوصفي والاستقرائي.
الباب الأول: لمحة تاريخية عن مبدأ الفصل بين السلطات
الفصل الأول : مبدأ الفصل بين السلطات (نظرة تاريخية وارتباط المبدأ بحقوق الانسان)
تم التداول في مبدأ الفصل بين السلطات عبر أفكار متناثرة وآراء متباينة، لكثير من الفلاسفة والمشرعين القدماء ومنهم:
أ – أرسطو
قسم أرسطو وظائف الدولة في كتابه (السياسة) إلى ثلاثة وظائف، وهي:
- وظيفة المداولة ومهمتها فحص المسائل العامة كالسلم والحرب، وعقد المعاهدات، وأحكام الإعدام، وانتخاب الحكام، والتشاور بشأنها، فضلا عن تشريع القوانين التي هي من اختصاص جمعية الشعب.
- وظيفة الحكم وإصدار الأوامر: وظيفتها تنفيذ القوانين، وهي من اختصاص الحكام وكبار الموظفين.
- وظيفة العدالة (القضاء): لتطبيق القانون، وتقوم بها المحاكم.
ان اهتمام أرسطو بتقسيم وظائف الدولة، مهد الطريق نحو البحث في موضوع الفصل بين السلطات.
ب -جون لوك
وضع نظريته في كتابه (الحكومة المدنية ) الذي نشر عام 1690. يقول فيه: أن كل نظام صحيح يجب أن يحكمه مبدأ فصل السلطات ويجب الفصل بين سلطتين اثنتين حيث تجاهل جون لوك وجود سلطة قضائية مستقلة باعتبار أن القضاة خاضعين لمؤسسة التاج (أي الملك).
ج -مونتسكيو
يعتبر المفكر الفرنسي مونتسكيو المنظر الأساسي الذي أنضج مبدأ فصل السلطات، مستفيدا من آراء المفكرين السابقين من خلال كتابه روح القوانين الذي أصدره عام 1748. وتقوم فكرته الأساسية على وجود ثلاثة أنواع من السلطة في كل دولة: وهي السلطة التشريعية (البرلمان)، والسلطة المنفذة للقانون العام (الحكومة)، والسلطة المنفذة لمسائل القانون المدني (القضائية)
أكد مونتسكيو أن تركيز السلطات العامة في هيئة واحدة أو في يد شخص واحد سيؤدي حتماً إلى الاستبداد والديكتاتورية، وضياع الحريات الفردية، وعليه فقد جاء بالمبدأ الشهير (يجب على السلطة ان توقف السلطة) أي أن كل سلطة منوط بها مراقبة السلطتين الاُخريين. مما يحقق العدل والحرية للمواطنين، وسيادة الشرعية في الدولة.
الفصل الثاني: العلاقة بين نظرية فصل السلطات وحماية حقوق الإنسان
أكد الفلاسفة والمشرعون القدماء العلاقة الوثيقة بين مبدأ فصل السلطات في الدولة وحماية حقوق الإنسان التي يضمنها الدستور، وعليه فقد نصت المادة 16 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 أغسطس/آب من عام 1789 وهو من وثائق الثورة الفرنسية الأساسية ((أن المجتمع الذي لا يوجد فيه ضمان للحقوق ولا فصل بين السلطات، لا يوجد فيه دستور)). لأن الفصل بين السلطات هو شرط لضمان الحقوق الطبيعية للفرد، فعندما تسيطر سلطة على السلطتين الباقيتين تنشأ التجاوزات على الحقوق الفردية، بينما يعيق الفصل بين السلطات هذه الانتهاكات.
الفصل الثالث: مقومات مبدأ الفصل بين السلطات
- وجود سلطات ثلاث بالنظام السياسي هي التشريعية والتنفيذية والقضائية.
- أن تختصّ كل سلطة منها بصلاحيات دستورية منضبطة.
- استقلالية كل سلطة منها عن غيرها، وحريتها باتخاذ القرار، مع هامش للتنسيق يتيح للسلطتين الباقيتين مجالاً للتعاون تارةً، ولمراقبتها تارةً أخرى.
- التخصص والتفرّغ يضمنان أقصى درجات الجودة لأداء وظائف الدولة، وهما الثمرة الاولى لتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات.
الباب الثاني: الدستور السوري وفصل السلطات
من أهم وظائف الدساتير، تكريس مبدأ الفصل بين السلطات وذلك لتنظيم عملها، ووضع الضوابط التي تمنع تجاوز سلطة على أخرى، لقد اعتمدت معظم الدساتير السورية مبدأ فصل السلطات بدءاً من الدستور التأسيسي في عام 1928 إلى دستور 2012 هذا على الصعيد النظري، وأما على صعيد الممارسة والتطبيق فإن سورية ومنذ استيلاء البعث على السلطة سنة 1963 لم تعرف مبدأ سيادة القانون ولم تعرف أيضاً تطبيق مبدأ فصل السلطات بشكله الأمثل، حتى يومنا هذا.
الفصل الاول: المفهوم العام للسلطات الثلاث
من الضرورة بمكان، وقبل تفنيد مبدأ الفصل بين السلطات ’ أن نتحدث بإيجاز عن السلطات الثلاث التي يستهدف هذا البحث الفصل بينها.
السلطة التشريعية: وهي البرلمانات أو مجالس الشعب أو ما يشبهها، وظيفتها تمثيل الشعب لأجل سن القوانين ومناقشة الموازنة العامة وإقرارها، والبتّ في القرارات الهامة مثل توقيع الاتفاقيات الدولية، الدخول في المنظمات العالمية، إعلان الحرب. تنقسم الهيئات التشريعية إلى نوعين: ذات مجلس واحد أو ثنائية المجالس. في سوريا هناك مجلس واحد هو مجلس الشعب.
السلطة التنفيذية: وتتولى تطبيق وتنفيذ ما تقرره السلطة التشريعية وتسيير شؤون البلاد وتحرّي حاجات المواطنين ثم وضع الخطط ورسم السياسات العامة وتنفيذها. إن الدور الأساسي للسلطة التنفيذية هي فرض احترام القانون والنظام بدعم مؤسسات الشرطة أو الجيش وإدارة السياسة الخارجية للدولة من خلال الوزراء والسفراء وإدارة المرافق العامة عبر الوزارات والادارات. تتمثل هذه السلطة في سورية برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ووحدات الادارة المحلية المنصوص عليها بالمادتين (130 و131) من الدستور.
السلطة القضائية: هي السلطة المختصة بالفصل في النزاعات بين المواطنين وكذلك بين المواطنين والمؤسسات الحكومية من خلال المحاكم والدوائر القضائية ودوائر النيابة العامة، السلطة القضائية هي الضامنة لتحقيق العدالة، تتفرد هذه السلطة بميزة الاستقلال المطلق عن السلطات الأخرى، مما يمنح القضاة زخماً من القوة يمكنهم من الفصل في القضايا التي تمس أجهزة الدولة أو كبار موظفيها دون تدخل من أحد وهذا أساس مبدأ سيادة القانون.
الفصل الثاني: السلطة التشريعية في سوريا ومبدأ فصل السلطات
تُعتبر السلطة التشريعية هي السلطة الاولى في هيكلية الدولة، فهي التي تؤدي الدور الرقابي والتشريعي، وتقترح التشريعات والقوانين المتوافقة مع أحكام الدستور، كما تمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية من خلال أدوات الرقابة التي تمتلكها: ومنها توجيه الأسئلة لها وتشكيل لجان تقصي الحقائق، واستجواب الحكومة ومناقشتها حول سياستها ’ وتقوم بإقرار المعاهدات الدولية. وإقرار الخطط الاقتصادية والموازنة العامة التي تتقدم بها الحكومة والرقابة على إنفاق الموازنة. كما يُناط بالسلطة التشريعية فرض الضرائب العامة وتعديلها وإلغاؤها.
الواقع السوري واستقلالية السلطة التشريعية:
- تعتبر السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس الشعب، سلطة شكلية مغيبة فاقدة لمظاهر الاستقلال بدءاً من طريقة انتخابها حيث يتم انتخاب أعضاء مجلس الشعب عبر تشكيل قوائم حزب البعث والجبهة الوطنية، وتوجيهات القيادة القطرية والأجهزة الأمنية مما يجعل منها انتخابات عبثية لا تمثل إرادة الشعب الحقيقية.
- لقد منح الدستور رئيس الجمهورية بموجب (المادة 101): حق إصدار المراسيم والقرارات والأوامر في حالات معينة، في الوقت الذي يعتبر فيه حق التشريع، حق أصيل لمجلس الشعب وتنفرد به السلطة التشريعية، ان الصلاحيات التشريعية الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية، جعلت منه شريكاً حقيقياً لمجلس الشعب في العملية التشريعية.
- تخلت السلطة التشريعية عن اختصاصها في إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة السورية وحقوق السيادة، التي نصت عليها: المادة (75) فقرة 6 من دستور 2012: ((يتولى مجلس الشعب الاختصاصات الآتية: -إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة وهي معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة أو الاتفاقيات التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية وكذلك المعاهدات والاتفاقيات التي تُحمل خزانة الدولة نفقات غير واردة في موازنتها أو التي تتعلق بعقد القروض أو التي تخالف أحكام القوانين النافذة)) وهكذا تم تمرير الكثير المعاهدات كالاتفاقيات المبرمة مع روسيا وإيران بما يسمى التحالف الاستراتيجي وغيرها من اتفاقيات القروض وسندات الخزانة التي أثقلت كاهل سوريا بالديون لعشرات السنين، دون ان يكون هناك أي دور للسلطة التشريعية في مناقشة أو إقرار هذه الاتفاقيات.
- أجازت المادة (126) من الدستور للوزير الجمع بين عضوية الوزارة وعضوية مجلس الشعب وهذا يقوّض مبدأ الفصل بين السلطات.
يمكن القول إن تراجع السلطة التشريعية عن القيام بالدور المناط بها، أدى لطغيان السلطة التنفيذية وغياب مبدأ فصل السلطات في الدولة.
الفصل الثالث: السلطة التنفيذية ومبدأ فصل السلطات
يستحوذ منصب رئاسة الجمهورية في الدستور السوري بطريقة فريدة على كل السلطات، من تنفيذية وتشريعية وقضائية من خلال المواد الكثيرة المنصوص عليها بين المواد (من 83-150) من دستور 2012 وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:
- (المادة 98): يضع رئيس الجمهورية في اجتماع مع مجلس الوزراء برئاسته السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها.
- (المادة 101): يُصدر رئيس الجمهورية المراسيم والقرارات والأوامر وفقاً للقوانين.
- (المادة 103): يُعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ ويُلغيها بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسته وبأكثرية ثلثي أعضائه، على أن يعرض على مجلس الشعب في أول اجتماع له، ويبين القانون الأحكام الخاصة بذلك.
- (المادة 105): رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ويصدر جميع القرارات والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة، وله التفويض ببعضها.
- (المادة 107): يُبرم رئيس الجمهورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويلغيها وفقاً لأحكام الدستور وقواعد القانون الدولي.
- (المادة 108): يمنح رئيس الجمهورية العفو الخاص، وله الحق برد الاعتبار.
- (المادة 111): لرئيس الجمهورية أن يقرر حل مجلس الشعب بقرار معلل يصدر عنه.
- (المادة 113): يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب، أو أثناء انعقادها إذا استدعت الضرورة القصوى ذلك، أو خلال الفترة التي يكون فيها المجلس منحلاً.
- (المادة 132): السلطة القضائية مستقلة، ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال، ويعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى.
- (المادة 133 من دستور 2012 وتنص): يَرأس مجلس القضاء الأعلى رئيس الجمهورية، ويُبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه. يكفل مجلس القضاء الأعلى توفير الضمانات اللازمة لحماية استقلال القضاء.
- (المادة 150): لرئيس الجمهورية كما لثلث أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح تعديل الدستور ويتضمن اقتراح التعديل النصوص المراد تعديلها والأسباب الموجبة لذلك. يشكل مجلس الشعب فور ورود اقتراح التعديل إليه لجنة خاصة لبحثه. يناقش المجلس اقتراح التعديل فإذا أقره بأكثرية ثلاثة أرباع أعضائه عُدًّ التعديل نهائياً شريطة اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية.
إن من يقرأ هذه المواد الدستورية يدرك كيف تستولي السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية على السلطات الثلاث بما فيها السلطة التنفيذية نفسها، ويدرك أن مبدأ فصل السلطات الذي نص عليه هذا الدستور مجرد شعار لا يجد له مكانا على أرض الواقع أو التطبيق.
الفصل الرابع: السلطة القضائية ومبدأ فصل السلطات
تتبدّى مظاهر عدم استقلال السلطة القضائية فيما يلي:
-
رئيس الجمهورية يهيمن بشكل مطلق على السلطة القضائية، حيث يترأس مجلس القضاء الأعلى المتحكم بعمل وزارة العدل والقضاة.
-
رئيس الجمهورية يمنح العفو الخاص ورد الاعتبار.
-
وزير العدل “وهو من أعضاء السلطة التنفيذية “ينوب عن رئيس الجمهورية في ترؤس مجلس القضاء الأعلى.
-
وزير العدل، يقوم بتسمية معظم أعضاء مجلس القضاء الأعلى مما يُحكم سيطرته عليهم.
-
المحامون العامون في المحافظات يتبعون إدارياً لوزير العدل. وهم الذين يقترحون التشكيلات القضائية ونقل القضاة، مما يجعل القضاة في حالة تبعية مطلقة لهم.
-
التبعية المالية للسلطة التنفيذية حيث لا يوجد في الموازنة العامة باب مخصص للقضاء كسلطة قائمة ومستقلة بذاتها وإنما تحتسب موازنتها ضمن اعتمادات وزارة العدل.
-
ومن مظاهر تجاوز السلطة التشريعية على السلطة القضائية إن أحد الاختصاصات التي منحها دستور 2012 إلى مجلس الشعب بموجب المادة 75 هو إقرار العفو العام ويمكن اعتبار هذا أحد مظاهر التعدي على السلطة القضائية والتدخل في اختصاصها.
-
السلطة التشريعية ومن خلال سلطتها في سن القوانين تستطيع التغول على السلطة القضائية. فتستطيع اصدار قوانين متعلقة بالسلطة القضائية أو متعلقة بشؤون القضاة أنفسهم، مما يعتبر تجاوزا من قبل السلطة التشريعية وانتهاكا لمبدأ فصل السلطات.
-
تجاوز كل من السلطتين: التنفيذية التي تعد القوانين والتشريعية التي تقر هذه القوانين على السلطة القضائية: فقد لوحظ في السنوات الأخيرة مظاهر التجاوز على السلطة القضائية فكلما صدر قانون يحظى بالأهمية: حجب عن القضاء سلطته! حين يقضي بتشكيل لجان خاصة ذات طابع قضائي تنتزع سلطة القضاء وتختص بالنزاعات المتصلة بهذا القانون، علماً ان تشكيل هذه اللجان برئاسة قاضٍ لا يمنحها الصفة القضائية، ومثال ذلك اللجان التي نص عليها المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012 في المادتين (7 و14) حيث انتزعت هذه اللجان سلطة القضاء وعدلت المدد وطرق الطعن العادية والمحددة بقوانين الأصول والقوانين الأساسية.
-
عدم استقلالية المحكمة الدستورية العليا لان المواد المتعلقة هذه المحكمة والمنصوص عليها في دستور 2012، وكذلك الواردة في قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 35 لعام 2012 لا تنسجم مع مبادئ فصل السلطات ولا تراعي مقومات استقلال السلطة القضائية مما يستوجب تعديل هذه المبادئ.
يقول الدكتور عبد الحميد العواك بخصوص السلطة القضائية ومبدأ فصل السلطات:
“لقد نصت الدساتير السورية على مبدأ فصل السلطات، وحددت السلطات بثلاث، تشريعية وتنفيذية وقضائية، لكن العقيدة الدستورية السورية لم تجعل السلطات ثلاث، بل اثنتان تشريعية تضع القوانين وتنفيذية تنفذ القوانين، واعتبار القضاء فرعاً من السلطة التنفيذية. “
ومن البديهي أنه لا يمكن للقضاة أن يساهموا في تحقيق العدالة ومعظمهم مشتغل بالسياسة بانتمائهم لحزب البعث خلافاً لأحكام المادة 81 من قانون السـلطة القضائية98 لعام 1961 والتي تحظر على القضاة الاشتغال بالسياسة.
أخيراً، لا يمكننا إغفال مسألة التطبيق العملي للدستور والقوانين في سوريا، رغم أن الدستورينص بالمادة /132/ أن السلطة القضائية مستقلة، ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال. إلا أن التطبيق العملي يؤكد انعدام أي استقلالية للقضاة من خلال انتهاكات السلطة التنفيذية و السياسية لها ,لأن القاضي الذي ينتمي الى حزب البعث الحاكم، لا يمكنه إصدار الأحكام بحيادية واستقلالية ,لأنه يتبنى عقيدته الحزبية ولا يستطيع مخالفة توجهات قيادة حزبه، ولما كانت أجهزة المخابرات السورية هي الأذرع التنفيذية لحزب البعث ’ و بما أن القاضي يدرك أن ( أجهزة الأمن ) هم أولياء نعمته و هم المتحكمون بإبقائه في منصبه أو إقالته من وظيفته ,فإن سلطة هذه الأجهزة على القضاة، هي سلطة مباشرة وتؤثر في كثير من الحالات بمضامين الاحكام التي يصدرونها, وتطيح بعدالة السلطة القضائية واستقلاليتها.
مخرجات البحث والتوصيات:
في نهاية هذا البحث يرى الباحثان أن المقترحات التالية سوف تساهم بتفعيل مبدأ الفصل بين السلطات في سوريا:
- تكريس مبدأ فصل السلطات، ووضع محددات دستورية تمنع تجاوز سلطة على أخرى.
- النص على مسؤولية رئيس الجمهورية أمام السلطة التشريعية.
- حجب حق إصدار المراسيم والقرارات الممنوح لرئيس الجمهورية بموجب (المادة 101 من الدستور) وحصر إصدار القوانين التشريعية بمجلس الشعب، وتفويض الرئيس عند الضرورة القصوى والأحوال الاستثنائية وبتفويض محدد الموضوع والنطاق الزمني وبأغلبية ثلثي الأعضاء لممارسة حق التشريع. لأن حق إصدار المراسيم هو حق أصيل لمجلس الشعب وتنفرد به السلطة التشريعية.
- ضمان استقلال السلطة القضائية، والتأكيد على عدم جواز اشتغال القاضي بالسياسة.
- إلزام كافة الجهات في الدولة، بتطبيق القرارات الصادرة عن المحاكم دون مناقشتها.
- الغاء النص الدستوري الذي يجيز الجمع بين عضوية الوزارة وعضوية مجلس الشعب.
- إلغاء المحاكم الاستثنائية التي تشكلّت على خلفيات سياسية، وكافة القوانين والمراسيم المخالفة للنصوص الدستورية.
- -إلغاء (المادة 108 من الدستور) التي تمنح رئيس الجمهورية حق إصدار العفو الخاص، والحق برد الاعتبار، لأن ذلك من اختصاص السلطة القضائية.
- تخصيص بند محدد للسلطة القضائية ضمن الموازنة العامة للدولة، وعدم احتساب موازنتها ضمن اعتمادات وزارة العدل، وذلك ضماناً لاستقلالية السلطة القضائية
- الغاء (المادة 107) التي تمنح رئيس الجمهورية حق ابرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية والغائها، لأنه يتعارض مع المادة (75) فقرة 6 من دستور 2012التي تمنح مجلس الشعب الاختصاص بإقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية وحصر ذلك بمجلس الشعب، على أن يصدر الصك القانوني باعتماد المعاهدة، بتوقيع رئيس الجمهورية بناء على إقرارها في مجلس الشعب.
- إنشاء مجلس القضاء الأعلى المشكل بأكمله من القضاة حصراً برئاسة كبير مستشاري محكمة النقض، لضمان عدم تدخل رئيس الجمهورية أو وزير العدل فيه، ولتحقيق الاستقلال في مواجهة السلطة التنفيذية.
- منع وزير العدل من التدخل بعمل القضاة، لأن عمله مقتصر على الإشراف الإداري على حسن سير مرفق القضاء وأداء الموظفين، وتوفير البنية المادية لدور المحاكم.
13 -المقترحات بخصوص اصلاح المحكمة الدستورية العليا بأن ينص الدستور على ما يلي:
- تعتبر المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها وتؤلف من تسعة أعضاء ينتخبون رئيساً من بينهم.
- يشترط فيمن يعين عضواً بالمحكمة أن ألا تقل سنه عن خمسة وأربعين عاماً. ويفضل اختياره ممن لا تقل خدمته عن /15/ سنة من بين الفئات التالية: القضاة بمرتبة مستشار من مجلس الدولة، والقضاة بمرتبة مستشار من محاكم الاستئناف والنقض. أساتذة القانون بالجامعات السورية. الأساتذة المحامين، على أن تمثل كل فئة من هؤلاء بعضو واحد على الأقل.
- يتم تعيين رئيس وأعضاء المحكمة من /9/ أعضاء عن طريق الانتخاب من قبل مجلس الشعب، وذلك من بين /27/ عضواً يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، من بين الفئات المذكورة أعلاه، يؤدي الفائزون منهم اليمين القانونية في مجلس الشعب.
مراجع البحث
- الدستور السوري لعام 1973.
- الدستور السوري لعام 2012.
- المرسوم التشريعي 35 لعام 2012 المتضمن قانون المحكمة الدستورية العليا.
- مقال للدكتور عبد الحميد العواك بعنوان ما شكل السلطة القضائية في المرحلة الانتقالية موقع أورينت نت، بتاريخ 8/7/2016/
- بحث: الفصل بين السلطات في الفكر الفلسفي الحديث د. علي يوسف الشكري. د. مصطفى فاضل الخفاجي، منشور بمجلة مركز بابل للدراسات الانسانية المجلد7 العدد2 سنة 2017.
✍️الكاتب: المحامي أحمد صوان
🗓️تاريخ النشر: 19/04/2016